تعليقات يسيرة على مقالة : دلالة كلمة خليفة في القرآن الكريم -1-

أرسل إليَّ الأخ الكريم الشيخ مجد مكي – حفظه الله تعالى - مقالة لأحد الشباب الذين لم أقرأ لهم ولم أسمع بهم من قبل حول دلالة كلمة خليفة، وطلب مني النظر فيها، وإبداء الرأي في مضمونها، فقرأتها وعلقت عليها تعليقات يسيرة: 

 قال الكاتب : [{ وإذ قال ربك للملائكة إنِّي جاعلٌ في الارض خليفة ...}.    

فما دلالة كلمة خليفة ؟؟  

يبدو أن الملائكة نفسها لم تُعط مدلول كلمة "خليفة" على وجهها الصحيح فحصرت المعنى الذي أراده الله في جزئية غير مكتملة { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}].

1- " لم يطلب من الملائكة – عليهم السلام- في المقام أن تشرح معنى الخلافة وفق ما جاءت به المعاجم ، وقرره التوظيف !!!

 وقد ذكر الملائكة ما ذكروا يستبينون وجه الاستخلاف مع وجود أمثال فرعون وأبو جهل ، ولم يزيدوا على ذلك .

 ولا يعني هذا أنهم قصُر تعبيرهم عما ذكر من الوجه الصحيح الذي ذكره الأستاذ ، فهم ليسوا في امتحان لغوي ومعركة مصطلحات".

  [فكان الجواب: أنكم ما علمتم مرادي في هذا الخليفة :{ اني أعلم ما لا تعلمون}]. 

2- " أعلم علما يتعلق بما عرفتم وبما غاب عنكم علمه ، ولمَّا لم يلحظوا ما غاب كان السؤال ، وأتى عليه الجواب تبصيرا بأن الحكم على أمر يتطلب كمال تصوره " .

قال الكاتب:[ويبدو أنَّ البرهنة من الله للملائكة على ذلك لم تطل] .

3- " ليست المسألة في سياق البرهنة ، إنما في بيان بعض ما غاب عنهم ، وإلا فالملائكة لا يحتاجون إلى أن يبرهن لهم الله حتى يقتنعوا ، وكأن الأستاذ يطرح الأمر في صورة مجلس ضم بين جوانحه حوارًا ، تطلب الدعوى والدليل ، وفي هذا إسقاط لا يليق".

 [وما لبثت أن انطلت الحيلة على آدم فنسي ما علمه الله ايَّاه ووقع في الشَّرَك الشيطاني ، فأنى لشجرة ان تكون خلدا !! وأنى لها ان تكون ملكا لا يبلى]!!

4-"ليس النسيان منصبًا على ما علمه ، بل على ما نهاه عنه من الشجرة ".

 [وعوقب آدم  بالهبوط من الجنة نتيجة لتلك الزلة الشيطانية: { فأزلهما الشيطان عنها}] .

5-" نتيجةً لأكله ممَّا نُهي عنه بتأويل رسَّخه حَلِف العدوِّ له، ويُستحضر هنا أن الإخبار انصب على خليفة في الأرض ، والأكل كان سببا ، ودرسا لبنيه من بعده".

[ الهبوط الذي يزداد في كل مرة يخطئ فيها الإنسان فيمنح الأشياء مسمَّى غير حقيقي، وينساق وراء ما يتبع ذلك من أوهام].

6-" ليس التعبير صحيحا ، ولا التعليل سائغا ، لأن البعد والقرب من الله ليس محصورا بكلمات ومعانيها الدقيقة ، فهذه زاوية ، إنما هو في تحقيق العبودية لله ، وتتمثل في اتباع الأمر ، وإلا فالزاني يزني ، ويسمِّي ما يفعل زنى ، والسارق كذلك ، على أن هناك من يشرب الخمرة في آخر الزمان يسميها بغير اسمها !"

[  وحتى تسمو لتقترب من مراد الله لك  بكونك " خليفة "، وتظل متفوقا على مخلوقاته كلها ، لا بد من أن تنمي تلك النفخة من روحه بالاتصاف أكثر و أكثر  بصفاته سبحانه وتعالى].

7-" الإلحاح على الاتصاف بصفات الله ليس دقيقا ، ولو كان الاتصاف بما يحبه الله تعالى في الإنسان من صفات لكان أولى ، لئلا يظن أن صفاته سبحانه هي ما اتصفنا بها "

[ لقد كانت للأحداث الدموية التي حصلت في نهاية عصر الخلفاء الراشدين ، وبداية الحكم الاموي القسري ، ومن ثم العباسي مدخلا لوأد الحرية التي أتيحت في عصر الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وعهد الخلفاء الاربعة ، أدى ذلك إلى تكريس أفكار ومفاهيم وتعريفات رُبطت بالدين عنوة، واستُدل بها بالنصوص القرآنية، وبأقوال الرسول تأويلا لإقناع الناس بها ، ولم تكن المشكلة هنا فحسب ، بل إنها أعطيت مدلولات بوصفها نهائية، وأقفلت الأبواب عن الإضافة أو التعديل أو التحسين دونها ، وكان للحكم السياسي الدور الفعّال في نصر هذه الأفكار والتي توافق أهدافه، وتهيء له الاستقرار وان كانت باطلة على أُخرى وإن كانت محقة ، فنشأت تعريفات  للقضاء والقدر وعلاقة الله بالكون وعلاقته بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالكون، وعلاقة الحاكم بالمحكوم ، ومفاهيم التخيير والتسيير، ومفاهيم الايمان والكفر ....الخ].  

8-" هذا الإطلاق دندن حوله من أراد نسف كل ما جاء به العلماء بتعميم خطير هدام ، ولو ذكر أمرا واحدا من حيث ما كرسته السياسة في القدر مثلا ، والصواب الذي يراه عبر النصوص ، ويبين الفرق بين الفهم المشبع بالسياسة ، وفهمه الذي جفف منها ، وتحرر من سطوتها !!!!

هذا ما يدندن حوله حتى الشيعة والذين يدعون إلى نسف الأحكام !!

وفيه- كما بدا- ظلم كبير للحقيقة ، وفيه طعن فاحش بكل علماء الأمة بلا دليل ، وكأنهم كانوا " إمَّعات " بخلافه ، وهذا ما تناوله حسن بن فرحان المالكي ، السني اسما ، والشيعي باطنا وسلوكا ، فقد لخص هذه المسألة فقال :" الحكام بعد العصر الراشدي ظلمة جائرون ، والعلماء في الشام خاصة كلهم علماء سلطة في كل ما قرروه !!!"

ثمَّة تتمة في كلام امتلأ بالتزوير في الحلقة القادمة بعون الله .

المقال السابق هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين