الخطوط الحمراء في نظر العلماء -1-

 

كتب بعضهم : [ الخطوط الحمراء التي جعلت أمام الكثير من الأفكار والأسئلة والمعتقدات هي المسؤولة عن هذه الحالة التي نعيشها ؛

نتج عنها تعيين حراس لهذه الخطوط يقومون بشن حملات انتحارية عمن يحاول تجاوزها بصفتهم مدافعين ؛ و أن الله " اختصهم " بهذا ، من دون ان يبرزوا لنا دليلا او حتى أثارة من علم تؤيد تلك الدعوى،

و هو ما أدى الى قمع السائلين وإرساء مفهوم " السؤال الحرام " الذي قد يورد صاحبه المهالك فيما لو فكر بينه وبين نفسه حتى في ان يتساءله ؛

الزمن في هذه اللحظات سيتجاوز أولئك الحراس ومن يؤيدهم والمدافعين عن أفكارهم "المخجلة" سواء عرفوا ذلك ام لم يعرفوا ؛

لقد ولى زمان الخطوط الحمراء ؛ فلتنظروا ما أنتم فاعلون ، ولتستعدوا إلى أن تجيبوا عن الأسئلة التي طالما ما استطاعت عقولنا الإجابة عنها ].

 

وقد عرضت هذه المقولة على بعض أهل العلم فعلقوا عليها تعليقات تكشف ما فيها من أخطاء ومغالطات .

وننشر تعليقاتهم كما وصلتنا تباعا ، والله تعالى يعصمنا من الفتنة في الدين، والزيغ عن صراطه المستقيم ، و يستعملنا في طاعته ومرضاته.

 

أجاب فضيلة الشيخ عبد الكريم تتان : 

- الآثار السلبيَّة أكبر بكثير مما أراد الكاتب، إن أحسنَّا به الظن !

- أين نجد في جعبة الثقافة: أن السؤال حرام ؟؟

- إطلاق المطالبة برفع الخطوط الحمراء، خلط بين انتقاد العلماء - والنقد سمة الحركة العلمية -  وبين المستقر من الاعتقاد.

- الكلام صدر عن مهتاج، فجاء زوبعة لا تمتُّ إلى التبصير بعلة محددة ، وعلاجها ! 

وعلق الأخ الأستاذ حسن الشيخ :

 

العلمانية خط أحمر في فرنسا ..

والشيوعية خط أحمر في الصين ..

والبقرة خط  أحمر لمقديسيها في الهند ..

والولي الفقيه خط أحمر في إيران ..

وحرية العمل التجاري أمام إنتاج افلام  الجنس خط أحمر في رأسمالية  أمريكا

والأقانيم الثلاثة خط أحمر لدى الفاتيكان..

وكل أمة، وكل شعب، وكل كيان سياسي، وكل منظومة فكرية أو تجارية أو اجتماعية لها خطوطها الحمراء 

فأين مناط تعجب الكاتب ؟!!

وعلق الشيخ عبدالله المهيب:

يخلط الكاتب أيّما خلط بين التساؤلات التي تفتح لها صدور العلماء وأبوابهم ويسخِّرون لها أقلامهم ولا يدعونها حتى يجيبون عليها وعلى ما يحيط بها مدللة بأدلة عقلية وشرعية، بل ربما يفترضون تلك التساؤلات قبل أن تقع ويجهزون الردود عليها بدءاً بالمستحبات والمباحات وصولاً الى كبرى اليقينيات وهي وجود الله ووحدانيته

يخلط الكاتب بين تعامل العلماء مع تلك التساؤلات التي يستوضح صاحبها ويستفسر ليستنير ويتعلم - وبين الشبهات التي يطعن بها في الدين وتزعزع بها عقيدة المسلمين

أما التساؤلات فالأبواب لها مفتوحة والخطوط دونها خضراء،

وأما الشبهات فالأبواب أمامها موصدة والحياض دونها محفوظة والخطوط حمراء حمراء..

بالطبع لن يسمح العلماء للطاعنين بالطعن في الدين ولا للمشككين بإفساد عقيدة المؤمنين.

وفي الوقت ذاته لن يردوا سائلا أمره الله بسؤال أهل الذكر ولن يكتموا علما عن طالب علم.

أما الذين لا يعلمون فقد أمرهم الله بسؤال الذين يعلمون، فإن هم سألوا فسيجدون تعليماً وتفهيما وشفقة واهتماما.

وإن هم تطاولوا وتعالموا وأفتوا بغير علم؛ ليضلوا ويضلوا فلن يجدوا من أهل العلم إلا جبالاً عدولاً ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين..

خطوط حمراء أمام الطاعنين ولن تكون يوماً خضراء، وأخرى خضراء أمام السائلين لن تكون يوماً حمراء.

اختر سلوكك، فثم طريقك، ولا تلم بعد إلا نفسك.

أما أن أهل العلم قد عجزوا عن الإجابة فهذه دعوى يشهد أدنى كتاب علم ضدها...

وأما أن العقل قد أجاب فإن كان عقل السائل سليماً صحيحاً فقد أتاه الجواب باكراً منذ نزول الوحي ونشأة الدين والأجوبة موفورة في كتب العلماء والمفكرين..

وإن كان العقل مضطرباً عليلاً فهو قد عثر أخيراً على عقل يشبهه يجيب عن أسئلته فيقتنع العقل السائل العليل بفتوى المجيب العليل !!

وكلا عقلي السائل والمجيب لا يعد عند العقلاء عقلاً..

وعلق الدكتور محمد أيمن جمال : 

الخطوط الحمراء وهم في مخيّلة بعض الحداثيين الذين يُريدون أن ينقضوا عرى الإسلام !

 

وهي للأسف تتعلّق غالبًا بالمعلوم من الدين بالضرورة !

 

ولا تكون حول فهم روح التشريع ! بل اعتراضًا على أصوله وثوابته !

 

ومن المعلوم الثابت عند عامّة المسلمين وعلمائهم أنّ السؤال في الدين يجوز مطلقًا .. لا حياء .. ولا قيود .. وأنّ الامتناع عن السؤال سبب فشوّ الجهل .. وعلامة تراجع الأمّة وتخلّفها.

 

هناك فرق كبير بين السؤال عن الشيء .. وبين استنكاره ! ومحاولة نقضه !

 

كما أنّ هناك فرقًا بين سؤال المؤمن وسؤال غير المؤمن ..

 

فالمؤمن يسأل ليتعلّم ويستوثق ويزداد إيمانًا.. وغيرُهُ يسأل إمّا بحثًا عن الحقيقة أو محاولة لنقض الدين والبحث عن الثغرات الموهومة.

 

في كثيرٍ من شروح العلماء السابقين ومناقشاتهم ردودٌ على معظم الاستفسارات التي يُثيرُها مدّعو الحداثة اليوم، ولكنّها عزيزةٌ على من لم يتبحّر في علوم الشرع؛ فتراهم يُنكِرون على متون آياتٍ أو أحاديث لأنّهم قرأوها مجتزأةً عن سياقها الكلاميّ أو التاريخيّ أو التشريعيّ .. وأحيانًا يكون سببُ إنكارهم ضعفًا في فهم اللغة، واستغفالاً لمدلولات الألفاظ والجمل والتراكيب في لغة التشريع.

 

كم زعموا أنّ السؤال ممنوعٌ، وهم في الحقيقة من توهّموا ذلك بسبب تخوّفهم أن تُطرَحَ عليهم الأسئلة !

 

هناك فرقٌ بين الأسئلة الممنوعة والأسئلة الفاشلة ..

 السؤال الفاشل هو السؤال الذي يكون خطأ لا يُمكن الإجابة عليه لأنّه ليس له جوابٌ أصلاً، وهو يدلّ على غباء السائل ! لا على ضعف علميّة المسؤول ! فهل يستطيعُ عالمٌ مهما بلغ في الدنيا أن يجيبنا عن سؤالٍ من قبيل: هل الماء السائلُ صلبٌ أم غازُ؟ فإنّه إذا كان سائلاً يستحيل أن يكون صلبًا ويستحيلُ أن يكون غازًا ! وضعيفُ العقل هو من يتوهّم ضعف المسؤول حين لا يجيبُ أو حين يُغفلُ الإجابة عن مثل هذه الأسئلة.

 

على أنّ من المعلوم أنّ انتشار الأسئلة السخيفة والفاشلة يوهن انتماء الأمّة إلى دينها، ويُضعفُ ثقتها بشريعة ربّها ! وهذا ليس غاية ما يطمح إليه الحداثيّون والمرجفون والعلمانيّون .. وإن كان في هذه المرحلة كافيًا بالنسبة لهم.

 

 

لا يُنكَرُ أنّ ثمّة مشايخ (تقليديين) يرغبون أن يُقيّدوا فهوم الناس .. ويحبّون أن يمنعوا انفتاح العقول، ومن هؤلاء الذين ينتظمون في سلك التبعيّة المطلقة للظالمين من الحكّام؛ فإنّ إعمال الناس لعقولهم سيجبرهم على الخروج على تبعيّتهم لهؤلاء المشايخ، والخروج من قيود الحكّام الظالمين، وهذا ما لا يُيرده أمثال هؤلاء، لكنّ وجود هذه القلّة لا يجوز ان يُسحبَ على عامّة مشايخ العصر، كما يزعم الحداثيّون، ولا يصحّ أن يرمى بهذه التهمة مشايخ همّهم التجديد والتطوير، وتغيير آليّات الاستنباط والنظر، وتحديث أفكار العامّة حول هذا الدين. 

 

وإلى تتمة الملاحظات والتعقيبات في الحلقة الثانية بعون الله تعالى . 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين