لماذا اختيار الكفاح اللاعنيف ؟.

 

يخطيء البعض في الظن بأن أقوى أسلحة السلطة الديكتاتورية هي آلة البطش العسكرية والشُرَطية ، ولكن أقوى أسلحة السلطة هي شعب خانع طائع داعم .

ومن يشك في هذه الحقيقة فليستعرض أسماء الحكام الديكتاتوريين الذين انهاروا وفروا مع وجود الولاء لهم من عسكر وشرطة في اللحظة التي اجتمعت فيها قوى الشعب لرفض الطاعة والإذعان .

ومن هنا تأتي قوة الكفاح اللاعنيف لأنه يستهدف تغيير موازين القوى ويأخذ من رصيد قوة الديكتاتور المتمثلة في الشعب الخانع المطيع الداعم إلى رصيد قوة التحدي والمقاومة .

ويتميز الكفاح اللاعنيف في أنه مع ثباته وتقدمه تبدأ القاعدة الشعبية من الممارسين لهذا الكفاح والداعمين في اكتساب قدر أكبر من الاعتزاز بالنفس والثقة بقدرتهم على التأثير في مسارات الأحداث ويصبحون أكثر وعيا بما يمتلكونه من قوة . 

وتؤدي خبرة الكفاح اللاعنيف أيضاً إلى وحدة القوى المشاركة وتزايد تضامنها الداخلي ، وتؤدي كذلك إلى تقوية المؤسسات غير الحكومية التي تمثل مرتكزات للكفاح ، في الوقت الذي تؤدي إلى ارتباك السلطة وتخبطها وفشلها ؛ مما يؤدي إلى تصدع الكتلة الشعبية المؤيدة للسلطة الفاسدة .

إذاً : أهم مكتسبات الكفاح اللاعنيف هو تغيير موازين القوى : من سلطة قوية ، إلى مجتمع قوي .

وهذه المعادلة الجديدة هي أكبر حصانة ضد عودة الديكتاتورية مرة أخرى ، وهي ما لا توفره وسيلة أخرى من وسائل العنف .

فالشعوب ومؤسسات المجتمع تكون ضعيفة مقابل سلطة ديكتاتورية قوية، فإذا لم يحدث تغيير في موازين القوى هذه ، فإن الحكام الجدد يستطيعون إن أرادوا أن يكونوا حكاماً ديكتاتوريين كأسلافهم ، وبالتالي يجب أن ترفض الشعوب أي ثورة من داخل النظام ، أو انقلاب عسكري عليه .

ولإلقاء الضوء على هذا التفوق النوعي والاستراتيجي للكفاح اللاعنيف مقابل الكفاح المسلح ، نعقد مقارنة بين الحالة الهندية والجزائرية :

ففي الكفاح المسلح للشعب الجزائري ضد الفرنسيين قُتِل مليون من ضمن عشرة ملايين هم سكان الجزائر ، أما في الكفاح اللاعنيف للهنود ضد الإنجليز فقد قُتِل ثمانية آلاف من ضمن مائتي مليون .

والأهم من ذلك هو مآلات هذا الكفاح ، فبعد الاستقلال الناتج عن الكفاح المسلح وقعت الجزائر فريسة الحكم العسكري إلى الآن ،

فضلاً عن تجربتها في الكفاح المسلح ضد الحكم العسكري فيما يُعرَف بالعشرية السوداء ، وهي التجربة الماثلة أمام الشعب الجزائري والتي أثّرت في نفسه وزرعت فيه الخوف من عدم الاستقرار لدرجة الرضى بانتخاب رئيس يكاد يكون ميتاً إكلينيكياً .

وعلى الوجه الآخر تجد مآلات الكفاح اللاعنيف في الهند ، فقد أثمرت أكبر ديموقراطية من حيث عدد السكان وتنوعهم في العالم ، واضطراد التنمية والتقدم فيها بما لا يجوز مقارنته بالبلاد التي خاضت تلك التجربة ، أو التي تعرضت للانقلابات العسكرية .

ونستخلص من تلك التجارب : أن الحرية التي تأتي من خلال الكفاح اللاعنيف تغير موازين القوى ، من سلطة قوية إلى مجتمع قوي .

وفي هذه المعادلة الجديدة حصانة للحرية التي حازها المجتمع ، وضمانة لعدم قابلية الشعب للخضوع لديكتاتورية جديدة .

للاطلاع على المقال السابق هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين