إطلالة على حياة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

يحرص المسلمُ على التعرف إلى الهدي النبوي الشريف في رمضان، وهذه كلماتٌ في ذلك، تبيِّنُ لنا جانبًا من الأحوال النبوية في هذا الشهر المبارك:

 

1 - "كان صلى الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يصلِّي، وكان فطره على رطبات إنْ وجدها؛ فإن لم يجِدها فعلى تمرات؛ فإن لم يجد، فعلى حسوات من ماء.

ويُذْكَرُ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند فطره: (اللهمَّ لك صمتُ، وعلى رِزقك أفطرتُ، فتقبَّلْ منا إنك أنت السميع العليم)؛ ولا يثبتُ.

ورُوي عنه أيضًا أنه كان يقول: (اللهمَّ لك صمتُ، وعلى رِزقك أفطرتُ)؛ ذكره أبو داود عن معاذ بن زهرة، أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك؛ [فهو مرسل].

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أفطر: (ذهب الظَّمأ، وابتلَّت العروق، وثبت الأجرُ إن شاء الله تعالى)؛ ذكره أبو داود من حديث الحسين بن واقد، عن مروان بن سالم المقفع، عن ابن عمر" .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قط صلَّى صلاة المغرب حتى يفطر، ولو على شربةٍ من ماء" .

2 وقال ابنُ القيم: "وكان مِنْ هَديه صلى الله عليه وسلم أنْ يدركه الفجر وهو جُنُبٌ مِنْ أهله، فيغتسل بعد الفجر ويصوم، وكان يقبِّلُ بعضَ أزواجه وهو صائم في رمضان، وشبَّه قُبلةَ الصائم بالمضمضة بالماء" .

3 - ويظهر أنه كان يتسحَّرُ - أحيانًا - مع أصحابه:

روى البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تسحَّرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة"، قال أنس: قلتُ: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: "قدر خمسين آية" .

وعن عبدالله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحَّرُ فقال: (إنها برَكة أعطاكم الله إياها، فلا تدعوه) .

وعن العِرباض بن سارية قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان، وقال: (هلموا إلى الغداء المبارك) .

 

4 - وكان يبالغ في العبادة لا سيما في العشر الأواخر:

روى البخاري عن عائشة قالت: "كان النبيُّ إذا دخل العشر شدَّ مئزرَه، وأحيا ليلَه، وأيقظ أهلَه" .

 

5 - وكان يصلِّي في الليل وحده:

روى البخاري عن عروة أن عائشة أخبرته أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلَّى في المسجد، وصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس فتحدَّثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلَّى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدَّثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله فصُلِّي بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عَجَزَ المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلمَّا قضى الفجرَ أقبل على الناس فتشهَّد ثم قال: (أما بعدُ؛ فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، ولكن خشيتُ أن تُفرض عليكم فتعجزوا عنها)، فتوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك .

وقد يصلِّي معه بعضُ الصحابة:

كما في حديث حذيفة بن اليمان قال: صلَّيتُ مع رسول الله ليلةً من رمضان في حجرة من جريد النَّخل، فقام فكبَّر فقال: (الله أكبر، ذو الجبروت والملكوت، وذو الكبرياء والعظمة)، ثم افتتح البقرةَ فقرأ فقلتُ: يبلغ رأسَ المئة، ثم قلت: يبلغ رأس المئتين، ثمَّ افتتح آل عمران فقرأها، ثم افتتح النِّساءَ فقرأها، لا يمرُّ بآية التخويف إلا وقف فتعوَّذ، ثم ركع مثل ما قام يقول: (سبحان ربي العظيم) - يردِّدهن - ثم رفع رأسه فقال: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد) - مثل ما ركع - ثم سجد مثل ما قام يقول: (سبحان ربي الأعلى)، ويقول بين السجدتين: (ربِّ اغفر لي).

فما صلَّى إلَّا أربع ركعات من صلاة العتمة - مِن أوَّل الليل إلى آخره - حتى جاء بلال فآذنه بصلاة الغداة .

 

6 - وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يهيِّئ أصحابه لشهر رمضان:

عن عبادة بن الصامت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومًا وحضر رمضان: (أتاكم رمضانُ، شهر بركة، يغشاكم الله فيه؛ فيُنزلُ الرحمة، ويحطُّ الخطايا، ويستجيبُ فيه الدعاء، ينظرُ الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكتَه، فأروا الله مِنْ أنفسكم خيرًا؛ فإن الشَّقي مَنْ حُرم فيه رحمة الله عزَّ وجلَّ) .

وعن أنس بن مالك قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هذا رمضان قد جاء، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتُغلُّ فيه الشياطين، بُعدًا لـِمَن أدرك رمضان فلم يُغفرْ له، إذا لم يُغفرْ له فيه فمتى؟) .

 

7 - وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الترغيب في تفطير الصائم، وفي ذلك دعوةٌ إلى التراحم والتكافل والتكامل:

عن سَلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّر صائمًا على طعام وشراب من حلال صلَّتْ عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان، وصلَّى عليه جبريلُ ليلة القدر).

رواه الطبراني في "المعجم الكبير" والبزار وزاد بعد قوله: (وصلَّى عليه جبريل ليلة القدر): (ورُزق دموعًا ورقَّة)، قال سلمان: إن كان لا يقدرُ على قوته؟ قال: على كسرة خبز، أو مذقة لبن، أو شربة ماء، كان له ذلك .

وعن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره غير أنه لا يَنقص من أجر الصَّائم شيء) .

 

8 - وكان يُرغِّبُ في الاعتمار في رمضان، ويُعلم أنَّ عمرة في رمضان تَعدلُ حجَّة معه ؛ وذلك بعد رجوعه من حجَّة الوداع .

وقد استجابت الأمَّةُ إلى هذه الدَّعوات النبويَّة أجملَ استجابة، وأصبح رمضان درَّةً مضيئةً في عقد الأيام، يَشع هدًى وتقًى، وصِلة وصلاة، وإيمانًا وإحسانًا، ويشهد فيه الناسُ تكاتفًا وتكافلًا، وإنفاقًا وإشراقًا، وكل هذا مِنْ فيض قوله تعالى فيه: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

* * *         

لقد كانت رمضانات النِّبي صلى الله عليه وسلم عامرة بالعبادة المضاعفة: صيامًا وقيامًا واعتكافًا، وبتلاوة القرآن، والدعوةِ إلى الله، ونشر أحكام الدين.

ويُلاحظ أنَّ سفره عليه الصلاة والسلام فيه قليلٌ، وكأنَّ هذا يدلُّ على انصرافه إلى الصيام والقيام.

فأين نحن من هذا؟ وكيف نقضي رمضان؟ وما حظُّنا منه؟ وما أثره فينا؟ وما حفاظنا عليه؟ وما تقديرنا له؟ وما اغتنامنا لأيَّامه ولياليه؟

إنَّ رمضان "سيدَ الشهور"  موسمٌ من مواسم الله الكبرى، فحريٌّ بنا ألَّا نضيع هذه المواسم، وألا نفوِّت هذه المغانم، ومن الجميل أنْ نردِّد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (بعدًا لِمن أدرك رمضان فلم يُغفر له، إذا لم يغفر له فيه فمتى؟)، فمتى؟!

 

ويا أخي الكريم:

أيُّ عيدٍ لـِمَنْ أدرك العيد وهو لم يصُم رمضان؟ وأي جائزةٍ لـِمَنْ حضَر يوم الجائزة وهو قد أخفق في الامتحان؟

تلفَّتْ حولك وانظرْ: كم فقدتَّ في هذا العام مِنْ قريبٍ وصديقٍ، وحبيبٍ ورفيقٍ، بالأمس كانوا هنا، واليوم قد أمسوا هناك!

وأنا وأنتَ وكلُّ مَنْ على وجه الأرض، ألسنا على الأثر؟ فاحزمْ أمرَك وتحزَّم.

وإذا دخلَت العشرُ الأواخرُ فما أقرب حلول العيد!

كنْ مسلمًا حقًّا، ودع الأرض تَسعد بوجودك عليها، و"رمضان" مِنْ أقربِ الطرق إلى ذلك، ولك - بعد - الخيارُ، والمصيرُ أحدُ موضعين لا ثالثَ لهما: إمّا الجنّة، وإمّا النار!

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين