ابن عباس يحدد لابن الحكم (الذين يفرحون بما أَتوا)

روى البخاري ومسلم والترمذي عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما أن مروان بن الحكم -وكان والياً على المدينة لمعاوية- قال لبَوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئٍ منا فرح بما أتى، وأحب أن يحمد بما لم يفعل، مُعذباً، لتُعَذَّبُنَّ أجمعون.

فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ}.

وقال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استَحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أتوا، من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.

لقد فهم مروان بن الحكم من الآية انطباقها على المسلمين، وفهم أنها تقرر العذاب لكل من فرح بعمله، ولكل من أحب ثناء الناس عليه بشيء ولو لم يفعله. لكن ابن عباس دلَّه على سبب نزولها، وعلى ملابسة ذلك النزول -ومعرفة السبب تعين على فهم دقيق صحيح للآية- فهي تتحدث عن اليهود في كتمانهم الحق، وإجابتهم المزيَّفة المحرَّفة.

ولكننا نقول إن الآية ليست في اليهود خاصة، الذين فعلوا الفعل الشائن. لكنها تنطبق على كل من فعل ذلك الفعل اليهودي الماكر، في أي زمان ومكان.

إن كل من كتم العلم والحق، وظنَّ أنه ذكي فطن، تشمله الآية في وعيدها له بالعذاب، وإن كل من سُئل عن علم فكتمه هرباً من دفع ضريبته، ولم يبيِّنه للناس، بل اشترى به ثمناً قليلاً تشمله بالوعيد، وإن كل من أصدر الفتاوى الباطلة، والتصريحات الضالة، ووقف المواقف المشبوهة الجبانة، تشمله الآية بوعيدها، ولو زعم أنه مسلم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين