الصراع مع اليهود

هل الصراع مع اليهود سياسياً أم عقدياً؟ وما مستقبل هذا الصراع؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

فالسؤال عن الصراع بيننا وبين اليهود، هل هو صراع على الأرض أم على العقيدة؟ وهل الصراع على الأرض ينفي الطابع العقائدي عن الصراع بيننا وبين اليهود؟ فهناك سوء فهم، وأقول: إن الصراع بيننا وبين اليهود صراع على الأرض لا من أجل يهوديتهم؛ لأنهم أهل كتاب يجوز مآكلتهم ومصاهرتهم، قال تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) (المائدة: 5).

وقد عاش اليهود في ذمة المسلمين قروناً طويلة، لكن منذ أن طمع اليهود في أرضنا؛ أرض فلسطين، أرض الإسراء والمعراج، أرض المسجد الأقصى، ومنذ أن خططوا لإقامة دولة على أنقاض المسجد الأقصى؛ بدأ الصراع بيننا وبينهم، ولكن ليس معنى هذا أنه ليس صراعاً دينياً ولا عقائدياً، فهناك خلل في هذه القضية، نفي أنه ليس صراعاً على العقيدة؛ لا ينفي أنه صراع ديني وعقائدي؛ لأننا أمة دينية واليهود أمة دينية، فصراعنا على الأرض مختلط بالدين.

المسلم حين يدافع عن أرض لا يدافع عن مجرد تراب؛ هو يدافع عن أرض الإسلام، عن دار الإسلام؛ لذلك إذا قُتل دون أرضه فهو شهيد، وإذا قُتل دون ماله فهو شهيد، وإذا قتل دون أهله فهو شهيد، وإذا قتل دون دمه فهو شهيد؛ وهذا معناه أنها معركة دينية، فالإنسان الملتزم كل معاركه تختلط بالدين، وخصوصاً في هذه المعركة، فهي أرض القبلة الأولى، أرض النبوات، وثالث المسجدين المعظمين أرض الإسراء والمعراج، فهذه الأرض لها طابع خاص ومكانة كبيرة عند المسلمين، فالمسلم يدافع عن أرض له فيها مقدسات هائلة.

وكذلك اليهودي، فهو عنده معركة دينية؛ لأنه يعتبر هذه الأرض هي «أرض الميعاد»، لهم فيها أحلام توراتية وتعاليم تلمودية، وهم عندهم أقانيم ثلاثة: الله والشعب والأرض، بعضهم يعبر عنها التوراة والشعب والأرض، الثلاثة متداخلة؛ لذلك هو يقاتلنا باسم الدين؛ لذلك نحن ننكر على من يريد إخراج الدين من هذه المعركة، وأرجو ألا يفهم كلامي أنني أريد أن أخرج الجانب الديني والعقائدي من القضية، هذه خيانة، أنا لا أريد هذا ولا ينبغي أن يُفهم كلامي على هذا، إنما أنا أريد أن أقول لبعض الناس كيف يفهمون الآية الكريمة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) (المائدة: 82).

هذا بالنسبة للوضع الذي كان أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك اليهود دخلوا في ذمة المسلمين وعاشوا بينهم آمنين ولم يجدوا داراً تؤويهم إلا دار المسلمين، وكانوا يعيشون بين المسلمين على أفضل ما يكون أصحاب ثروة ونفوذ، لم يكن بيننا وبينهم صراع إلا صراعاً ثقافياً أحياناً، إنما أنا أقول من الناحية الدينية: اليهودي مثل النصراني من أهل الكتاب، حتى في هذا العصر مع اعتداءاته، لا أغير الحقائق من أجل العدوان.

وفي وقت من الأوقات كان النصارى أشد علينا من اليهود (أيام الحروب الصليبية) وكان اليهود مع المسلمين في هذا الوقت، الأولى أن نعطي كل ذي حق حقه، فمثلاً أنا لو سُئلت الآن: هل يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية؟ سأقول له: لا؛ لأن الفقهاء أجمعوا على أنه لا يجوز أن نتزوج من قوم معادين، حتى لو كانوا أهل كتاب، كأنني أتزوج جاسوسة تكون لـ«إسرائيل»، والمفروض حسب استقرائنا أن جميع اليهود مؤيدون لبني إسرائيل فلا يجوز الزواج من أي يهودية في أي قُطر، وهذا بصفة عامة، الأصل في اليهودي أنه مع «إسرائيل»، و«إسرائيل» قامت بتبرعات اليهود في العالم ونفوذهم.

اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة له هيمنته ونفوذه وتأثيره في قيام واستمرار «إسرائيل»؛ النفوذ والمال والسلاح، و«الفيتو» الأمريكي بتأثير اللوبي اليهودي في أمريكا، ولا نستطيع أن ننكر ما جاء في القرآن: (فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء: 155)، (إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ) (البقرة: 83)؛ لأنه دائماً فيه استثناءات، فالإنصاف أن نذكر وجود الاستثناءات، إنما عندما تحكم تقول: عموم اليهود؛ لأننا نحكم على الأغلبية، والفقهاء يقولون: للأكثر حكم الكل والنادر لا حكم له.

 

مستقبل صراعنا مع اليهود

أما عن مستقبل الصراع بيننا وبين اليهود، فالصراع مستمر ما دامت أرض فلسطين محتلة من اليهود، وسيظل الصراع قائماً يظهر حيناً ويختفي حيناً كسُنَّة الله في التداول، ولكن العاقبة للمتقين، النصر للمسلمين، إذا تخلص المسلمون من الوهن الذي وصفهم به النبي صلى الله عليه وسلم حينما يكثر كمُّهم ويقل كيفهم؛ «أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن»، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حب الدنيا وكراهة الموت»(1).

حينما يتحرر الناس من حب الدنيا وكراهية الموت؛ ستوجد الطائفة المنصورة التي جاءت الأحاديث الكثيرة والوفيرة في أن هناك طائفة ظاهرة على الحق إلى يوم القيامة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة رضي الله عنه: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من جابههم؛ إلا ما أصابهم من لأواء(2) (يعني إلا ما أصابهم من أذى في الطريق) حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»، قالوا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»، كل ما حول بيت المقدس؛ (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (الإسراء: 1)، فكل ما حول بيت المقدس أرض فلسطين وأرض الشام ويمكن أرض مصر.

كل مَن حوله إن شاء الله مرابطون ومجاهدون، ولكن الأقرب فالأقرب من ينطبق عليهم هذا الحديث، هم على الدين ظاهرون ولعدوهم قاهرون إن شاء الله، وسيظلون مرابطين حتى ينتصروا على أعدائهم ويكون كل شيء معهم حتى الحجر والشجر؛ «يقول الحجر والشجر: يا عبد الله، أو يا مسلم»؛ وهذا إشارة إلى هذا النوع، نوع تميز بالعبودية لله وبالدخول تحت راية الإسلام حتى يُنادَى بهذا، فلم يقل: يا فلسطيني، أو يا أردني، «يا عبد الله، يا مسلم، هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله»، وإنا لهذه المعركة لمنتظرون؛ (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ) (الروم: 4)، والله أعلم.[1]

 



[1] (1) الراوي: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحيح الجامع، (8183).

(2) رواه البخاري (7311)، ومسلم (1921) من حديثِ المغيرةِ بن شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين