تعجيل زواج الشباب.. ضمانة للأمن المجتمعي

تشير الدراسات والأبحاث إلى علاقة طردية بين عدم الزواج وانتشار الجرائم في المجتمعات؛ ما يهدد أمنها، بل ووجودها في كثير من الأحيان، فالزواج الشرعي هو العلاقة الطبيعية الوحيدة للتناسل وبناء الأمم، ورغم ذلك تشير الإحصاءات في عدد من الدول العربية والإسلامية إلى عزوف الشباب عن الزواج، مرجعين ذلك إلى أسباب عدة؛ اقتصادية واجتماعية وثقافية، فضلاً عن الدعوات الغربية التي تلمح إلى أن الزواج أصبح عادة قديمة يجب أن تندثر.

ويُجمع عدد من المتخصصين والباحثين، في حديث لـ«المجتمع»، على خطورة عدم الزواج، مؤكدين في الوقت ذاته ضرورة مساعدة الشباب على الزواج حماية لهم ولمجتمعاتهم من الانحراف وانتشار الرذيلة، وهو ما يمثل خطورة كبيرة على المجتمعات.

لبنان الأعلى في معدلات العنوسة تليه سورية والعراق وتونس

إحصائيات مرعبة

بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، بلغ إجمالي عدد عقود الزواج نحو 876015 عقداً عام 2020م، مقـابل 927844 عقداً عام 2019م بنسبة تراجع بلغت 5.6%، وبلغ عدد عقود الزواج 880041 عقداً عام 2021م بنسبة زيادة قدرها 0.5% عن عام 2020م؛ ما يعني أن هناك انخفاضاً في عامين بنسبة تصل لنحو 5%، وتشير الإحصاءات الرسمية في مصر، كذلك، إلى أن هناك ما يقرب من 11 مليون فتاة، و2.5 مليون شاب يتجاوز أعمارهم الـ35 عاماً، ولم يتزوجوا حتى الآن.

وبحسب الدراسات، يأتي لبنان في مقدمة الدول العربية حيث بلغ معدل العنوسة 85%، وتصل النسبة في سورية والعراق إلى نسبة 70%، وفي تونس نحو 62%، بينما في الجزائر 50%.

وفي تقرير للمركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، حول إحصاء الزواج والطلاق في دول المجلس عام 2021م، والصادر عام 2022م، جاء فيه أن عقود الزواج تراجعت من عام 2017م حيث كانت 218.9 ألف عقد، إلى 214.2 ألف عقد في عام 2021م، ورغم هذا الانخفاض فإنه في الوقت ذاته أكبر من عام 2020م الذي سجل 209.7 ألف عقد زواج فقط؛ ما يعني زيادة في عقود الزواج بين عامي 2020 و2021م بمقدار 4.5 آلاف عقد زواج.

الزواج ضرورة لتجنب الفواحش والجرائم وبناء مجتمع قوي

الزواج ضرورة

يقول أ.د. محمود مهنى، نائب رئيس جامعة الأزهر سابقاً، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن الزواج من السنن التي شجعنا النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وورد ذلك في أكثر من حديث روي عنه صلى الله عليه وسلم، فأمرنا بالزواج فقال: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً»، وفي حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النكاح سُنتي فمن لم يعمل بسُنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء».

 

ويوضح د. مهنى أن بهذا الأمر النبوي الواضح والصريح تأكيداً على أهمية الزواج وضرورته لبناء مجتمع إسلامي قوي وحمايته من الشرور الناتجة عن عدمه، مشيراً إلى أن البديل لعدم الزواج أو تعقيده هو انتشار الفاحشة بين الناس، وبالتالي انتشار الجريمة بكل أشكالها، التي منها الزنى؛ قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (الإسراء: 32).

ميثاق غليظ

ومن جانبها، ترى د. إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع الأسري بكلية الآداب جامعة المنوفية، أن العلاقة الطبيعية بين أي ذكر وأنثى في المجتمع الإسلامي هي الزواج الشرعي، لما في ذلك من فائدة عظيمة سواء للأفراد أو للمجتمع كله، موضحة بأن الشريعة الإسلامية في مسألة الأحوال الشخصية وتنظيم العلاقات بين الذكور والإناث جاءت منظمة ومحددة لما فيه صلاح المجتمع ومصلحته، فلم يلزمنا الشرع بشيء إلا وفيه خير للجميع.

حملات مغرضة وأفكار مستوردة للنيل من قدسية الزواج

وبدورها، ترى الداعية المصرية فاطمة موسى أن الزواج ميثاق غليظ، وهو آية من آيات الله في الكون لقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، والزواج هو المتنفس الوحيد في الإسلام لتلبية حاجة نفسية وجسدية واجتماعية للإنسان، وهي الاحتياج للجنس الآخر، كما قالت الأعرابية لابنتها يوم زفافها: «ولكن النساء للرجال خُلقن، ولهن خُلق الرجال»؛ وعليه فالزواج هو الضمان الوحيد لتماسك المجتمع واستقراره.

وأضافت موسى أن بالزواج يتحمل كل شخص مسؤوليته من رعاية أولاده وزوجته، ورعاية الأم زوجها وأولادها، ونشأة أشخاص مستقرين نفسياً من خلال النشأة في أسرة متماسكة مستقرة نفسياً وصولاً إلى إحساس كامل بالمسؤولية عندما يكون مسؤولاً عن أسرة فيما بعد، ولذلك اتخذ الإسلام وسائل عديدة لضمان استقرار الأسرة والحفاظ على الرباط المقدس.

وفي هذا أيضاً تؤكد د. فتحية الحنفي، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الزواج عماد الأسرة الثابتة التي تلتقي الحقوق والواجبات فيها بتقديس ديني يشعر الشخص فيه بأن الزواج رابطة مقدسة تعلو بها إنسانيته؛ فهو علاقة روحية نفسية تليق برقي الإنسان وتسمو به، قال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (البقرة: 187)، لافتة إلى أن الزواج فيه راحة للقلب وتقوية على العبادة، وفيه استئناس بالنساء حيث السكن والمودة والرحمة، كما حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على طلب النسل بالزواج فقال: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم».

حرب على الأمة

وتشير د. إنشاد عز الدين إلى أن الشباب في المجتمعات الإسلامية سواء في العالم العربي أو خارجه يتعرضون دائماً لحملات مغرضة هدفها الأساسي تدمير مجتمعاتهم بإبعادهم عن صحيح دينهم، وأضافت أنه رغم هذه الحملات التي تُستخدم فيها مواقع التواصل الاجتماعي والأفلام الأجنبية، فإن الدين والأعراف والتقاليد ما زالت راسخة في نفوس الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب، ولا بد أن تعي المؤسسات الدينية هذه الحرب التي يُستهدف بها الشباب، وتسعى دائماً إلى تأكيد أهمية الزواج في الحفاظ على المجتمع وبناء أجيال جديدة من المسلمين يستطيعون مواجهة هذه الأفكار الهدامة.

ويشير د. مهنى إلى ضرورة الابتعاد عن هذه «الأفكار المستوردة» التي تظهر في المجتمعات لتقضي عليها، فالزواج هو الزواج كما أقره جمهور العلماء، أما ظاهرة عدم الزواج أو ما يمكن تسميته بزواج الطلاب والطالبات فهو ليس زواجاً حقيقياً وإنما هو زنى، وهذه الأفكار يجب أن تعمل مؤسسات الدولة على محاربتها ومواجهتها بكل الطرق.

تيسير الزواج حماية للمجتمع من الجرائم والأمراض والأوبئة

تسهيل الزواج

وتقول د. إنشاد: إن هناك ضرورة للعمل على تسهيل الزواج، وأن تكون هناك رحمة من قبل الأهالي؛ فالاعتدال ضرورة والغلو غير مطلوب، مشددة على ضرورة الابتعاد عن المظاهر المزيفة التي تزيد من نسب تأخر سن الزواج.

وتؤكد د. فتحية الحنفي ضرورة التسهيل في الزواج، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع؛ لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك»، فالجمال والمال والجاه والحسب إلى زوال، لكن الدين هو الباقي، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..»، وبالتالي فهذه سُنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الاختيار قائماً على الدين وحُسن الخلق، وأن هذا بداية تكوين أسرة صالحة تخرِّج أجيالاً نافعة لوطنها، وبالتالي تحفظ الأمن المجتمعي، فالأسرة هي النواة الأولى لأي مجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع.

ومن جانبه، يؤكد د. مهنى أن العمل على مساعدة الشباب على الزواج الشرعي هو في الأصل حماية للمجتمع من الفقر والجرائم والأمراض والأوبئة التي تنتشر في المجتمعات التي تمارس الزنى، وهذا مثبت علمياً، فنحن نسمع الآن، في الغرب، عن أمراض لم نكن نسمع عنها من قبل نتيجة انتشار هذه الفواحش.

وشدد على أن الزواج يحفظ المجتمعات من الانحراف ويحمي الشباب الذين يعدون وقود أي أمة وعمودها الفقري، وبسواعدهم تبنى الأمم، فقد أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بعمارة الأرض، ولا يكون ذلك إلا بالذرية الصالحة التي تكون نتيجة للزواج الشرعي على كتاب الله وسُنة رسوله.

وتشير د. فتحية إلى أن في النكاح حفظ النسل الذي به يتحقق مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية لتحقيق الأمن المجتمعي، وتتابع أنه لو ترك كل إنسان يقضي وطره كيف شاء لهلك المجتمع وضاع وصار لا فرق بين الإنسان والحيوان، وهذا أكثر خطورة على المجتمع وأمنه.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين