ذئب العلماء المفترس

لا فرق بين العلماء وغيرهم، من جهة قابليتهم للوقوع في الخطأ أو الخطيئة، ولكن هناك آفات تنتشر جراثيمها في طائفة دون أخرى، وذاك لتوفر أسبابها، وقابلية البيئة التي توجد فيها.

ومن هذه الآفات التي تبيض وتُفرِخ وتتناسل في بيئة أهل العلم؛ " الشهرة" لم أجد ذئبا جائعا، فَتَك بشريحة العلماء وطلبة العلم، وأطفأ أنوار علومهم، مثل تطلعهم الظاهر أو الخفي للشهرة والظهور!

وقد ورد هذا الوصف (الذئب) في البيان النبوي الشريف؛ فقال صلى الله عليه وسلم : "ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنمٍ بأفسدَ لها من حِرصِ المرءِ على المالِ والشرفِ لدِينِه"، والشرف هنا : الشهرة، أي أن الحريص على المال والشهرة  لا يسلم من دينه إلا القليل كما لا تسلم الغنم من ذئب شرس جائع.

وطلب الشهرة، من أحوال القلوب الخفية، فلا يلزم من حديث المرء عن عمله وإنتاجه، أو نشاطه الظاهر وكفاحه؛ تلبّسه بتلك الآفة! مادامت أعماله خالصة لله عند الابتداء، فإن شاء الله أظهره وإن شاء أخفاه.

لكني أتحدث عن ذاك النوع الذي جعل الشهرةَ مطلبا يتوسل بها إلى بلوغ سراب المدّاحين، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وركب كل صعب وذلول كي "يقال عنه عالم" والمسلم لا يقوَى على نزع تلكم الآفات انتزاعا؛ فهي من شهوات النفس، كما أن الإسلام لا يُجرِّم مَن جالت تلك الخواطر في نفسه عفواً، أو طرأت على مسلكه غفلةً وسهوا، إنما يُحذر أتباعَه من نسج  خيوط الشهرة على مُكث، ليصنعوا منها بعد ذلك ثوباً يلبسونه؛ فتكون عقوبتهم يوم العرض الأكبر من جِنس أعمالهم، كما قال الصادق المصدوق : "مَن لَبِسَ ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب المذلة".

في عصرنا الذي تُدّرس فيه الشهرة على أنها فن وصناعة، ويتصدّر الناسَ فيه أربابُ الهشاشة والتفاهة، تجد هذه الطائفة ضالتها في حصد "اللايك" وخطف "المايك"!

وتراهم يزاحمون الإعلاميين بالرُكَب، ولا يدَعون سانحةً إلا يتكلفون فيها الحديثَ عن ماضيهم، وحاضرهم، ومستقبلهم، وعن إنجازاتهم التي لم يُتموها، وأعمالهم التي لم يعملوها!!!

في تقديري هذا سبب نزوع البركة من أقوال وأفعال مشاهير الدعاة في هذا العصر، وهو ذات السبب في نفور كثير من الفُطناء، وانفضاضهم عن سلك الدين والتدين.

كان الإمام الشافعي يقول "وددت لو أن هذا العلم انتشر، ولم ينسب إلي منه شيء!!!"

فانظر إلى "وِدِه" رضي الله عنه، وكيف تمنى لو أن حصيلة كَدِه وثِمار جُهده؛ نُسبت لغيره! بينما يَعمَد أحدُنا إلى علوم الآخرين، وبنات أفكارهم؛ فيسرقها على عجل، ويغلّفها دون خجل، ثم ينسبها لنفسه دون وجل؛ كي "يُحمد بما لم يفعل".

اللهم لا تجعلنا غنيمةً لتلك الذئاب الجائعة، ونعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما نعلمه.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين