هل حقا قصف الجامع العمري الكبير في غزة؟

دخل الصهاينة حي الدرج (الحي الذي نسكن فيه) في أول جمادى الآخرة الموافق ١٥ ديسمبر (اليوم السبعون من أيام الحرب على غزة) وعاثوا فيه فسادا، وحي الدرج لمن لا يعرفه أقدم أحياء غزة، ويضم البلدة القديمة وأشهر معالم غزة الأثرية، وأبرزها وأهمها الجامع العمري الكبير. ولم نكن في الحي وقت اجتياحه، لكنني كنت أتابع الأخبار من وقت لآخر، وعيني على الجامع العمري، وأحدث نفسي فأقول: العمري لا يمكن أن يقصف، لماذا؟ لست أدري، هكذا كان يراودني شعور أن العمري آمن من آلة القصف والتدمير، مع أن المساجد أكثرها دمر كما هو معلوم.

في ذاك الوقت كلمت أحد قرابتي القريبين من العمري وسألته عنه فقال: "بلغنا أن مئذنته قصفت"، ثم بدأ الناس يتناقلون الأخبار عن قصفه وتدميره، وبعضهم ينفي ذلك، وأنا أدعو في نفسي ومن أعماق قلبي: اللهم لا تسلطهم عليه.

لم أطق الصبر وقلت: لا بد أن أذهب بنفسي، فذهبت صحبة ولدي عبيدة، وسلكنا الطريق إلى الساحة، ثم عبرنا شارع السوق المؤدي إلى الجامع، فإذا المنطقة المحيطة به والسوق الملتف حوله كأنما أصابها زلزال، ووصلنا الجامع فرأيت أمرا مهولا عظيما، لم تسلم منه إلا أشياء يسيرة من ساحته الخارجية.

أكوام الحجارة والركام متناثرة في كل مكان، وهول الدمار يملأ قلبك هما وغما وغيظا، أكتب هذا في اليوم الثاني والثمانين بعد المائة (٢٦ رمضان)، وقد رأيت غالب المباني المدمرة في مدينة غزة وعاينتها، لكني والله إلى ساعتي هذه ما شهدت أقسى وأعظم من هذا المشهد، ولم أطق المكث طويلا فوق ركامه، غادرت المكان والحسرة تأكل قلبي، وما مر علي يوم بعدها إلا ويتراءى لي ذاك الصرح العظيم الشامخ.

كل المساجد عظيمة مقدسة لأن تهدم بيوتنا أحب إلينا والله من أن تصاب بسوء وأذى، لكن العمري ليس مسجدا فحسب، إنه تاريخ طويل ممتد من العلم والجهاد والحضارة والإيمان.

العمري جامع غزة الأعظم والأقدم والأجل والأفخم.

العمري صفحة خالدة من تاريخ غزة الأبية الصامدة، من ذاك اليوم الأغر الذي دخلها فيه عمرو بن العاص وأبو أمامة الباهلي بجحافل الجحاجح من الصحابة الأبطال.

العمري جامعة غزة التي ما تكلم فيها بالعلم متكلم إلا وهو خريجه وحلس حلقه.

لنا في العمري ذكريات وليال ومجالس وصحاب ما زال عبقها وأريجها في حنايا القلب، لنا إليها عودة بإذن الله.

ألا لعنة الله على اليهود وأعوان اليهود.

وحفظ الله غزة وأهلها ومساجدها وكل شيء فيها من بطشهم وكيدهم.

اللهم قد طالت الحرب، واشتد البأس بعبادك في غزة، ولا حول ولا قوة ولا رجاء لنا إلا بك.

اللهم فرجا قريبا عاجلا.

اللهم إنا نتوسل إليك بحبنا لك ورضانا بك أن تكشف عنا ما نحن فيه.. اللهم آمين آمين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين