بعض سمات الدعوة في هذا العصر -8- والأخيرة


عني بتصحيحها ونشرها الشيخ مجد مكي

ومن أبرز سمات الدعوة التي يقوم بها الأنبياء وخلفاؤهم: أنها تقوم على الإيمان بالآخرة والتحذير من عقابها، والترغيب في نعمائها وثوابها، ويكون مناط العمل فيها: الإيمان والاحتساب والأجر والثواب، لا على الإغراء بالفوائد الدنيويَّة والجاه والمنصب والمال والملك، فإنه أساسٌ ضعيفٌ منهار، ولا يتفق مع طبيعة دعوات الأنبياء. والمساومة فيه سهلة، وقد يملك أعداؤهم وخصومهم والقادة السياسيون مثله أو أكثر منه، ومن رضع بلبان هذه المطامع لم يمكن فطامه عنها، ولا يصحُّ الاعتماد عليه، وإنما يبنون دعوتهم على رضى الله وثوابه، وما أعدَّه الله لعباده المؤمنين، وما وعدهم به على لسان أنبيائه، من نعيم لا يزول ولا يحول .
والصحف السماوية – غير صحف العهد القديم التوراة – ( ) مملوءة بالحديث عن الآخرة والاهتمام بها، والبناء عليها، وقد جعل الإسلامُ الإيمانَ بها عقيدة أساسيَّة وشرطاً لصحَّة الإيمان والنجاة، وقد جاء في القرآن صريحاً: [تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] {القصص:83}.
وهنا أستعير لنفسي من نفس ما قلته في إحدى المحاضرات التي ألقيتها في هذه الجامعة العزيزة سُنَّة 1382هـ تحت عنوان:" النبوة والأنبياء في ضوء القرآن"، وأختم به هذا الحديث مؤمِّلاً في أن تكون هذه السِّمات التي تَحدَّثتُ عنها شعارَ الدعوة التي يقوم بها الدعاة المتخرِّجون في هذه الجامعة أو القائمون بأعبائها في كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي.
قلت وأنا أتحدَّث عن الفرق بين منهج الدعوات النبويَّة وبين الدعوات الإصلاحيَّة: (ولم تكن دعوة الأنبياء إلى الإيمان بالآخرة أو الإشادة بها كضرورة خلقيَّة أو كحاجة إصلاحيَّة لا يقوم بغيرها مجتمع فاضل ومدنيَّة صالحة فضلاً عن المجتمع الإسلامي.
وهذا وإن كان يستحق التقدير والإعجاب، ولكنه يختلف عن منهج الأنبياء وسيرتهم، ومنهج خلفائهم اختلافاً واضحاً.
والفرق بينهما: أنَّ الأول منهج الأنبياء؛ إيمان ووجدان، وشعور وعاطفة وعقيدة، تملك على الإنسان مشاعره وتفكيره وتصرفاته، والثاني: اعتراف وتقدير وقانون مرسوم، وأنَّ الأوَّلين يتكلمون عن الآخرة باندفاع والتذاذ، ويدعون إليها بحماسة وقوة، وآخرون يتكلمون عنها بقدر الضرورة الخُلقيَّة والحاجة الاجتماعيَّة، وبدافع الإصلاح والتنظيم الخُلقي، وشتان ما بين الوجدان والعاطفة ،وبين الخضوع للمنطق والمصالح الاجتماعية".
المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة، الجامعة الإسلاميِّة بالمدينة المنورة 24-29-2-1397هـ.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

 

للاطلاع على الحلقة السابقة اضغط هنا
-----------
( ) فقد تجرَّدت بعد التحريف، من ذكر الآخرة ونعمائها والترغيب فيها بطريقة عجيبة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين